فصل: فصل صفاء البصيرة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صيد الخاطر **


  فصل الحكمة الإلهية وجهل العقول

تأملت على قوم يدعون العقول ويعترضون على حكمة الخالق‏.‏

فينبغي أن يقال لهم‏:‏ هذا الفهم الذي دلكم على رد حكمته أليس هو من منحه‏.‏

أفأعطاكم الكمال ورضي لنفسه بالنقص‏!‏ هذا هو الكفر المحض الذي يزيد في القبح على الجحد‏.‏

فأول القوم إبليس فإنه رأى بعقله أن جوهر النار أشرف من جوهر الطين فرد حكمة الخالق‏.‏

ومر على هذا خلق كثير من المعترضين مثل ابن الراوندي والبقري وهذا المعري اللعين يقول‏:‏ كيف يعاب الحجاج بالسخف والدهر أقبح فعلاً منه‏.‏

أترى يعني به الزمان‏!‏ كلا‏.‏

فإن ممر الأوقات لا يفعل شيئاً وإنما هو تعريض بالله جل شأنه‏.‏

وكان يستعجل الموت ظناً منه أنه يستريح‏.‏

وكان يوصي بترك النكاح والنسك ولا يرى في الإيجاد حكمة إلا العناء والتعب ومصير الأبدان إلى البلى‏.‏

وهذا لو كان ظن كان الإيجاد عبثاً والحق منزه عن العبث‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏"‏ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ‏"‏‏.‏

فإذا كان ما خلق لنا لم يخلق عبثاً‏.‏

أفنكون نحن ونحن مواطن معرفته ومجال تكليفه قد وجدنا عبثاً‏.‏

ومثل هذا الجهل إنما يصدر ممن ينظر في قضايا العقول التي يحكم بها على الظواهر مثل أن والعقل بمجرده لا يرى دلك حكمة ولو كشفت له حكمة ذلك العلم أنه صواب‏.‏

كما كشف لموسى مراد الخضر في خرق السفينة وقتل الغلام‏.‏

ومعلوم أن ذبح الحيوان وتقطيع الرغيف ومضغ الطعام لا يظهر له فائدة على الإطلاق‏.‏

فإذا علم أنه غذاء لبدن من هو أشرف بدناً من المذبوح حسن ذلك الفعل‏.‏

واعجباً أو ما تقضي العقول بوجوب طاعة الحكيم الذي تعجز عن معرفة حكمة مخلوقاته‏.‏

فكيف تعارضه في أفعاله نعوذ بالله من الخذلان‏.‏

 

فصل وعظ السلاطين

ينبغي لمن وعظ سلطاناً أن يبالغ في التلطف ولا يواجهه بما يقتضي أنه ظالم‏.‏

فإن السلاطين حظهم التفرد بالقهر والغلبة فإذا جرى نوع توبيخ لهم كان إذلالاً وهم لا يحتملون ذلك‏.‏

وإنما ينبغي أن يمزج وعظه بذكر شرف الولاية وحصول الثواب في رعاية الرعايا وذكر سير العادلين من أسلافهم‏.‏

ثم لينظر الواعظ في حال الموعوظ قبل وعظه‏.‏

فإن رأى سيرته حميدة كما كان منصور بن عمار وغيره يعظون الرشيد وهو يبكي‏.‏

وقصده الخير زاد في وعظه ووصيته‏.‏

وإن رآه ظالماً لا يلتفت إلى الخير وقد غلب عليه الجهل اجتهد في أن لا يراه ولا يعظه‏.‏

لأنه إن وعظه خاطر بنفسه وإن مدحه كان مداهناً‏.‏

فإن اضطر إلى موعظته كانت كالإشارة وقد كان أقوام من السلاطين يلينون عند الموعظة ويحتملون الواعظين‏.‏

حتى أنه قد كان المنصور يواجه بأنك ظالم فيصبر‏.‏

وقد تغير الزمان وفسد أكثر الولاة وداهنهم العلماء ومن لا يداهن لا يجد قبولاً للصواب فيسكت‏.‏

وقد كانت الولايات لا يسألها إلا من أحكمته العلوم وثقفته التجارب فصار أكثر الولاة يتساوون في الجهل فتأتي الولاية على من ليس من أهلها‏.‏

ومثل هؤلاء ينبغي الحذر منهم والبعد عنهم فمن ابتلى بوعظهم فليكن على غاية التحرز فيما يقول ولا ينبغي أن يغتر بقولهم عظنا فإنه لو قال كلمة لا توافق أغراضهم ثارت حراراتهم‏.‏

وليحذر مذكر السلطان أن يعرض له بأرباب الولايات فإنهم إذا سمعوا بذلك صار الواعظ مقصوداً لهم بالإهلاك خوفاً من أن يعتبر السلطان أحوالهم فتفسد أمورهم‏.‏

والبعد في هذا الزمان عنهم أصلح والسكوت عن المواعظ لهم أسلم‏.‏

فمن اضطر تلطف غاية التلطف وجعل وعظه للعوام وهم يسمعون ولا يعنيهم منه بشيء والله الموفق‏.‏

 

فصل الأنبياء الكذبة ورسالة الإسلام الحق

لا يشتبه بباطل إنما يموه الباطل عند من لا فهم له‏.‏

وهذا في حق من يدعي النبوات وفي حق من يدعي الكرامات‏.‏

أما النبوات فإنه قد ادعاها خلق كثير ظهرت قبائحهم وبانت فضائحهم ومنها ما أوجبته خسة الهمة والتهتك في الشهوات والتهافت في الأقوال والأفعال حتى افتضحوا‏.‏

فمنهم الأسود العنسي ادعى النبوة ولقب نفسه ذا الحمارة لأنه كان يقول يأتيني ذو الحمار وكان أول أمره كاهناً يشعوذ فيظهر الأعاجيب‏.‏

فخرج في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم فكاتبته مذ حج وواعدته نجران وأخرجوا عمرو بن حزم وخالد بن سعيد صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفاً له اليمن وقاتل شهر بن باذان فقتله وتزوج ابنته فأعانت على قتله فهلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبان للعقلاء أنه كان يشعوذ‏.‏

ومنهم مسيلمة ادعى النبوة وتسمى رحمان اليمامة لأنه كان يقول‏:‏ الذي يأتيني رحمان‏.‏

فآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وادعى أنه قد أشرك معه فالعجب أنه يؤمن برسول ويقول إنه كذاب ثم جاء بقرآن يضحك الناس مثل قوله‏:‏ يا ضفدع بنت ضفدعين نقي ما تنقين أعلاك في الماء وأسفلك في الطين ومن العجائب شاة سوداء تحلب لبناً أبيض فانهتك ستره في الفصاحة‏.‏

ثم مسح بيده على رأس صبي فذهب شعره‏.‏

وبصق في بئر فيبست‏.‏

وتزوج سجاح التي ادعت النبوة فقالوا‏:‏ لا بد لها من مهر فقال‏:‏ مهرها أني قد أسقطت عنكم صلاة الفجر والعتمة‏.‏

وكانت سجاح هذه قد ادعت النبوة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستجاب لها جماعة فقالت‏:‏ أعدوا الركاب واستعدوا للنهاب ثم اعبروا على الرباب فليس دونهم حجاب فقاتلوهم‏.‏

ثم قصدت اليمامة فهابها مسيلمة فراسلها وأهدى لها فحضرت عنده فقالت‏:‏ اقرأ علي ما فقال‏:‏ إنكن معشر النساء خلقتن أفواجاً وجعلتن لنا أزواجاً نولجه فيكن إيلاجاً فقالت‏:‏ صدقت أنت نبي‏.‏

فقال لها‏:‏ قومي إلى المخدع فقد هيىء لك المضجع فإن شئت مستلقاة وإن شئت على أربع وإن شئت بثلثيه وإن شئت به أجمع فقالت‏:‏ بل به اجمع فهو للشمل أجمع‏.‏

فافتضحت عند العقلاء من أصحابها فقال منهم عطارد بن حاجب‏:‏ أضحت نبيتنا أنثى يطاف بها وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا فعلنة اللّه رب الناس كلهم على سجاح ومن بالإفك أغوانا أعني مسيلمة الكذاب لا سقيت أصداؤه ومن رعيت حيثما كانا ثم إنها رجعت عن غيها وأسلمت وما زالت تبين فضائح مسيلمة حتى قتل‏.‏

ومنهم طليحة بن خويلد خرج بعد دعوى مسيلمة النبوة وتبعه عوام ونزل سميراً فتسمى بذي النون يقول‏:‏ إن الذي يأتيه يقال له ذو النون‏.‏

وكان من كلامه‏:‏ إن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم ولا قبح أدباركم شيئاً فاذكروا الله أعفة قياماً‏.‏

‏.‏

ومن قرآنه‏:‏ والحمام واليمام وللصرد الصوام ليبلغن ملكنا العراق والشام‏.‏

وتبعه عيينة بن حصين فقاتله خالد بن الوليد فجاء عيينة إلى طليحة فقال‏:‏ ويحك أجاءك الملك‏.‏

قال لا فارجع فقاتل فقاتل ثم عاد فقال أجاءك فقال لا فعاد فقاتل ثم عاد فقال‏:‏ أجاءك قال‏:‏ نعم قال‏:‏ ما قال لك قال‏:‏ قال إن لك جيشاً لا تنساه فصاح عيينة‏:‏ الرجل والله كذاب‏.‏

فانصرف الناس منهزمين وهرب طليحة إلى الشام ثم أسلم وصح إسلامه وقتل بنهاوند‏.‏

وذكر الواقدي‏:‏ أن رجلاً من بني يربوع يقال له جندب بن كلثوم كان يلقب كرداناً ادعى النبوة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يزعم أن دليله على نبوته أنه يسرج مسامير الحديد والطين‏.‏

وهذا لأنه كان يطلي ذلك بدهن البيلسان فتعمل فيه النار‏.‏

وقد تنبأ رجل يقال له كهمش الكلابي وكان يزعم أن الله تعالى أوحى إليه‏:‏ يا أيها الجائع اشرب لبناً تشبع ولا تضرب الذي لا ينفع فإنه ليس بمقنع‏.‏

وزعم أن دليله على نبوته أنه يطرح بين السباع الضارية فلا تأكله وحيلته في ذلك أنه يأخذ دهن الغار وحجر البرسان وقنفدا محرقاً وزبد البحر وصدفاً محرقاً مسحوقاً وشيئاً من الصبر والحبط فيطلي به جسمه فإذا قربت منه السباع فشمت تلك الأرياح وزفورتها نفرت‏.‏

وتنبأ بالطائف رجل يقال له أبو جعوانة العامري وزعم أن دليله أنه يطرح النار في القطن فلا ومنهم هذيل بن يعفور من بني سعد بن زهير حكى عنه الأصمعي أنه عارض سورة الإخلاص فقال‏:‏ قل هو الله أحد إله كالأسد جالس على الرصد لا يفوته أحد‏.‏

ومنهم هذيل بن واسع كان يزعم أنه من ولد النابغة الذبياني عارض سورة الكوثر فقال له رجل ما قلت فقال‏:‏ إنا أعطيناك الجواهر فصل لربك وجاهر فما يردنك إلا كل فاجر‏.‏

فظهر عليه السنوري فقتله وصلبه على العمود فعبر عليه الرجل فقال‏:‏ إنا أعطيناك العمود فصل لربك من قعود بلا ركوع ولا سجو فما أراك تعود‏.‏

وممن ظهر فادعى أنه يوحي إليه المختار بن أبي عبيد وكان متخبطاً في دعواه وقتل خلقاً كثيراً وكان يزعم أنه ينصر الحسين رضوان الله عليه ثم قتل‏.‏

ومنهم حنظلة بن يزيد الكوفي كان يزعم أن دليله أنه يدخل البيضة في القنينة ويخرجها منها صحيحة وذاك أنه كان ينقع البيضة في الخل الحامض فيلين قشرها ثم يصب ماء في قنينة ثم يدس البيضة فيها فإذا لقيت الماء صلبت‏.‏

وقد تنبأ أقوام قبل نبينا صلى الله عليه وسلم كزرادشت وماني‏.‏

وافتضحوا‏.‏

وما من المدعين إلا من خذل‏.‏

وقد جاءت القرامطة بحيل عجيبة وقد ذكرت جمهور هؤلاء وحيلهم في كتابي التاريخ ودليل صحة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم أجلى من الشمس‏.‏

فإنه ظهر فقيراً والخلق أعداؤه فوعد بالملك فملك‏.‏

وأخبر بما سيكون فكان وصين من زمن النبوة عن الشره وخساسة الهمة والكذب والكبر‏.‏

وأيد بالثقة والأمانة والنزاهة والعفة وظهرت معجزاته للبعيد والقريب‏.‏

وأنزل عليه الكتاب العزيز الذي حارت فيه عقول الفصحاء ولم يقدروا على الإتيان بآية تشبهه فضلاً عن سورة‏.‏

وقد قال قائلهم وافتضح ثم أخبر أنه لا يعارض فيه كمال قال‏.‏

وذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فأتوا بسُورَةٍ ‏"‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏ فإِنْ لَمْ تَفْعَلوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ‏"‏‏.‏

وكذلك قوله‏:‏ ‏"‏ فَتَمَنَّوا المَوْتَ ‏"‏ ‏"‏ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ‏.‏

‏.‏

‏"‏ فما تمناه أحد‏.‏

إذ لو قال قائل قد تمنيته لبطلت دعواه‏.‏

وكان يقول ليلة غزاة بدر‏:‏ غدا مصرع فلان ههنا فلا يتعداه‏.‏

وقال‏:‏ إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده لك بعدهما من له كبير قدر ولا من استتب له حال‏.‏

ومن أعظم دليل على صدقه أنه لم يرد الدنيا فكان يبيت جائعاً ويؤثر إذا وجد ويلبس وإنما تطلب النواميس لاجتلاب الشهوات فلما لم يردها دل على أنه يدل على الآخرة التي هي حق‏.‏

ثم لم يزل دينه يعلو حتى عم الدنيا وإن كان الكفر في زوايا الأرض إلا أنه مخذول‏.‏

وصار في تابعيه من أمته الفقهاء الذين لو سمع كلامهم الأنبياء القدماء تحيروا في حسن استخراجهم والزهاد الذين لو رآهم الرهبان تحيروا في صدق زهدهم والفطناء الذين لا نظير لهم في القدماء‏.‏

أوليس قوم موسى يعبدون بقرة ويتوقفون في ذبح بقرة ويعبرون البحر ثم يقولون‏:‏ اجعل لنا إلهاً ‏.‏

وقوم عيسى يدخرون من المائدة وقد نهوا‏.‏

والمعتدون في السبت يعصون الله لأجل الحيتان‏.‏

وأمتنا بحمد الله تعالى سليمة من هذه الأشياء وإنما في بعضها ميل إلى الشهوات المنهي عنها وذلك من الفروع لا من الأصول‏.‏

فإذا ذكروا وندموا على تفريطهم‏.‏

فنحمد الله على هذا الدين وعلى أننا من أمة هذا الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقد كان جماعة من المتصنعين بالزهد مالوا إلى طلب الدنيا والرياسة فاستغواهم الهوى فخرقوا بإظهار ما يشبه الكرامات كالحلاج وابن الشاش وغيرهما ممن ذكرت حال تلبيسه في كتاب تلبيس إبليس‏.‏

وإنما فعلوا ذلك لاختلاف أغراضهم ولم يزل الله ينشىء في هذا الدين من الفقهاء من يظهر ما أخفاه القاصرون‏.‏

كما ينشىء من علماء الحديث من يهتك ما أشاعه الواضعون حفظاًَ لهذا الدين ودفعاً للشبهات عنه‏.‏

فلا يزال الفقيه والمحدث يظهر أن عوار كل ملبس بوضع حديث أو بإظهار دعوى تزهد وتنميس فلا يؤثر ما ادعياه إلا عند جاهل بعيد من العلم والعمل‏.‏

‏"‏ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الباطلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ‏"‏‏.‏

  فصل الوجود الحق خدمة الموجد

واعجباً من موجود لا يفهم معنى الوجود فإن فهم لم يعمل بمقتضى فهمه‏.‏

يعلم أن العمر قصير وهو يضيعه بالنوم والبطالة والحديث الفارغ وطلب اللذات وإنما أيامه أيام وقد كلف ببذل المال ومخالفة الطبع من الشرع فبخل به إلى أن يتضايق الخناق فيقول حينئذ‏:‏ فرقوا عني بعد موتي وافعلوا كذا‏.‏

فأين يقع هذا لو فعل وبعيد أن يفعل وإنما يراد بإنفاقك في صحتك مخالفة الطبع في تكلف مشاق الإخراج في زمن السلامة‏.‏

فافرق بين الحالتين إن كان لك فهم‏.‏

فالسعيد من انتبه لنفسه وعمل بمقتضى عقله واغتنم زمناً نهايته الزمن وانتهب عمراً يا قرب انقطاعه‏.‏

ويحك ما تصنع بادخال مال لا يؤثر حسنة في صحيفة ولا مكرمة في تاريخ‏.‏

أما سمعت بإنفاق أبي بكر وبخل ثعلبة‏.‏

أما رأيت تأثير مدح حاتم وبخل الحباحب‏.‏

ويحك لو ابتلاك في مالك لاستغثت أو في بدنك ليلة بمرض لشكوت‏.‏

فأنت تستوفي مطلوباتك منه ولا تستوفي في حقه عليك ‏"‏ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ‏"‏‏.‏

ولتعلم أن هذا القدر المفرط فيه يحل الخلود الدائم في ثواب العمل فيه‏.‏

فسبحان من من على أقوام فهموا المراد فأتعبوا الأجساد وغطى على أقوام فهموا المراد فأتعبوا وكيف لا يتعب العاقل بدنه إتعاب البدن والمقصود منى‏.‏

أترى ما بال الحق متجلياً في إيجادك أيها العبد‏!‏ بلى والله إن وجودك دليل وجوده‏.‏

وإن نعمه عليك دليل جوده‏.‏

فكما قدمك على سائر الحيوانات فقدمه في قلبك على كل المطلوبات‏.‏

واخيبة من جهله وافقر من أعرض منه واذل من اعتز بغيره واحسرة من اشتغل بغير خدمته‏.‏

 

فصل الاستعداد للرحيل

إني أعجب من عاقل يرى استيلاء الموت على أقرانه وجيرانه كيف يطيب عيشه خصوصاً إذا علت سنه‏.‏

واعجبا لمن يرى الأفاعي تدب إليه وهو لا ينزعج‏.‏

أما يرى الشيخ دبيب الموت في أعضائه قد أخرج سكين القوي‏.‏

وأنزل متغشرم الضعف وقلب السواد بياضاً ثم في كل يوم يزيد الناقص‏.‏

ففي نظر العاقل إلى نفسه ما يشغله عن النظر إلى خراب الدنيا وفراق الإخوان وإن كان ذلك مزعجاً‏.‏

وإنه لما يسلي عن الدنيا ويهون فراقها استبدال المعارف بمن تكره‏.‏

فقد رأينا أغنياء كانوا يؤثرون وفقراء كانوا يصبرون ومحاسبين لأنفسهم يتورعون فاستبدل السفهاء عن العقلاء والبخلاء عن الكرماء‏.‏

فيا سهولة الرحيل لعل النفس تلقى من فقدت فتلحق بمن أحبت‏.‏

 

فصل الإيمان والتعقل

نظرت في قول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّموات وَمَنْ فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُوم وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ‏"‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏ وَكثِيرٌ مِنَ النَّاسٍ ‏"‏ فرأيت الجمادات كلها قد وصفت بالسجود واستثنى من العقلاء فذكرت قول بعضهم‏:‏ ما جحد الصامت من أنشأه ومن ذوي النطق أتى الجحود فقلت‏:‏ إن هذه لقدرة عظيمة يوهب عقل الشخص ثم يسلب فائدته وأن هذا لأقوى دليل على قادر قاهر‏.‏

وإلا فكيف يحسن من عاقل أن لا يعرف بوجوده وجود من أوجده‏.‏

وكيف ينحت صنماً بيده ثم يعيده‏.‏

غير أن الحق سبحانه وتعالى وهب لأقوام من العقل ما يثبت عليهم الحجة وأعمى قلوبهم كما شاء عن المحجة‏.‏

 

فصل مخالطة المحجوبين عن الله غشاوة

ما رأيت أكثر أذى للمؤمن من مخالطة من لا يصلح فإن الطبع يسرق‏.‏

فإن لم يتشبه بهم ولم يسرق منهم فتر عن عمله‏.‏

وإن رؤية الدنيا تحث على طلبها وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ستراً على بابه فهتكه وقال‏:‏ ما لي وللدنيا ولبس ثوباً له طراز فرماه وقال‏:‏ شغلتني أعلامه ولبس خاتماً ثم رماه وقال‏:‏ نظرت إليكم ونظرت إليه‏.‏

وكذلك رؤية أرباب الدنيا ودورهم وأحوالهم خصوصاً لمن له نفس تطلب الرفعة‏.‏

وكذا سماع الأغاني ومخالطة الصوفية الذين لا نظر لهم اليوم إلا في الرزق الحاصل‏.‏

لو كان من أي مكان قبلوه ولا يتورعون أن يأخذوا من ظالم وليس عندهم خوف كما كان أوائلهم‏.‏

فقد كان سري السقطي يبكي طول الليل وكان يبالغ في الورع وهم ليس لهم ورع سري ولا وإنما ثم أكل ورقص وبطالة وسماع أغاني من المردان حتى قال بعض من يعتبر قوله‏:‏ حضرت مع رجل كبير يومأ إليه من مشايخ الربط ومغنيهم أمرد فقام الشيخ ونقطه بدينار على خده‏.‏

وادعاؤهم أن سماع هذه الأشياء يدعو إلى الآخرة فوق الكذب‏.‏

وليس العجب منهم إنما العجب من جهال ينفقون عليهم فينفقون عليهم‏.‏

ولقد كان جماعة من القدماء يرون أوائل الصوفية يتعبدون ويتورعون فيعجبهم حالهم وهم معذورون في إعجابهم بهم‏.‏

وإن كان أكثر القوم في تعبدهم على غير الجادة كما ذكرت في كتابي المسمى بتلبيس إبليس‏.‏

فأما اليوم فقد برح الخفاء أحدهم يتردد إلى الظلمة ويأكل أموالهم ويصافحهم بقميص ليس فيه طراز وهذا هو التصوف فحسب‏.‏

أو لا يستحي من الله من زهد في رفيع الأثواب لأجل الخلائق لا لأجل الحق‏.‏

ولا يزهد في مطعم ولا شبهة‏!‏‏.‏

فالبعد عن هؤلاء لازم‏.‏

وينبغي للمنفرد لطاعة الله تعالى عن الخلق أن لا يخرج إلى سوق جهده فإن خرج ضرورة غض بصره وأن لا يزور صاحب منصب ولا يلقاه فإن اضطر دارى الأمر‏.‏

ولا يفتح على نفسه باب التزوج بل يقنع بامرأة فيها دين فقد قال الشاعر‏:‏ والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين العين موقوف على الخطر يسر مقلته ما ضر مهجته لا مرحباً بسرور وعاد بالضرر فإن كان يغلب عليه العلم انفرد بدراسته واحترز من الأتباع المعلمين وإن غلبت عليه العبادة زاد في احترازه‏.‏

وليجعل خلوته أنيسه والنظر في سير السلف جليسه‏.‏

وليكن له وظيفة من زيارة قبور الصالحين والخلوة بها‏.‏

ولا ينبغي أن يفوته ورد قيام الليل وليكن بعد النصف الأول فليطل مهما قدر فإنه زمان بعيد المثل‏.‏

وليمثل رحيله عن قرب ليقصر أمله وليتزود في الطريق على قدر طول السفر نسأل الله عز وجل يقظة من فضله وإقبالاً على خدمته وأن لا يخذلنا بالالتفات عنه إنه قريب مجيب‏.‏

 

فصل أنعم الله التي لا تحصى

كلما نظرت في تواصل النعم علي تحيرت في شكرها وأعلم أن الشكر من النعم فكيف أشكر وعندي خلة أرجو بها كل خير وهي أن من يصوم أو يصلي يرى أنه تعبد ويخدم كأنه يقضي حق المخدوم‏.‏

وأنا أرى أني إذا صليت ركعتين فإنما قمت أكدي فلنفسي أعمل إذ المخدوم غني عن طاعتي‏.‏

وكان بعض المشايخ يقول‏:‏ جاء في الحديث‏:‏ الدعاء عبادة وأنا أقول‏:‏ العبادة دعاء‏.‏

فالعجب ممن يقف للخدمة يسأل حظ نفسه كيف يرى أنه قد فعل شيئاً إنما أنت في حاجتك ومنة من أيقظك لا تقاومها خدمتك فأنا أقول كما قال الأول‏:‏ يا منتهى الآمال أن - ت كفلتني وحفظتني وعد الزمان علي كي يجتاحني فمنعتني فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني وكسوتني ثوب الغنى ومن المغالب صنتني فإذا سكت بدأتني وإذا سألت أجبتني فإذا شكرتك زدتني فمنحتني وبهرتني أو إن أجد بالمال فا - لأموال أنت أفدتني رأيت أكثر العلماء يتشاغلون بصورة العلم فهم الفقيه التدريس وهم الواعظ الوعظ‏.‏

فهذا يرعى درسه فيفرح بكثرة من يسمعه ويقدح في كلام من يخالفه ويمضي زمانه في التفكر في المناقضات ليقهر من يجادله وعينه إلى التصدر والارتفاع في المجالس‏.‏

وربما كانت همته جمع الحطام ومخالطة السلاطين‏.‏

والواعظ همته ما يرزق به كلامه ويكثر جمعه ويجلب به قلوب الناس إلى تعظيمه فإن كان له نظير في شغله أخذ يطعن فيه‏.‏

وهذه قلوب غافلة عن الله عز وجل إذ لو كانت لها به معرفة لاشتغلت به وكان أنسها بمناجاته وإيثارها لطاعاته وإقبالها على الخلوة به‏.‏

لكنها لما خلت من هذا تشاغلت بالدنيا وذاك دنيا مثلها‏.‏

فإذا خلت بخدمة الله تعالى لم تجد لها طعماً وكان جمع الناس أحب إليها وزيارة الخلق لها آثر عندها وهذه علامة الخذلان‏.‏

وعلى ضد هذا متى كان العالم مقبلاً على الله سبحانه مشغولاً بطاعته كان أصعب الأشياء عنده لقاء الخلق ومحادثتهم وأحب الأشياء إليه الخلوة‏.‏

وكان عنده شغل عن القدح في النظراء أو عن طلب الرياسة‏.‏

والنفس لا بد لها مما تشاغل به‏.‏

فمن اشتغل لخدمة الخلق أعرض عن الحق فإنما يربي رياسته‏.‏

وذلك يوجب الإعراض عن الحق وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه‏.‏

 

فصل صفاء البصيرة

قد جاء في الأثر‏:‏ أرنا الأشياء كما هي وهذا كلام حسن غاية الحسن‏.‏

وأكثر الناس ما يرون الأشياء بعينها فإنهم يرون الفاني كأنه باق ولا يكادون يتخايلون زوال ما هم فيه وإن علموا ذلك‏.‏

إلا أن أعين الحس مشغولة بالنظر إلى الحاضر‏.‏

ألا ترى زوال اللذة وبقاء إثمها ولو رأى اللص قطع يده هان عنده المسروق‏.‏

فمن جمع الأموال ولم ينفقها فما رآها بعينها إذ هي آلة لتحصيل الأغراض لا تراد لذاتها‏.‏

ومن رأى المعصية بعيني الشهوة فما رآها إذ فيها من العيوب ما شئت ثم ثمرتها عقوبة آجلة وفضيحة عاجلة‏.‏

وانظر إلى أكبر شهوات الحس وهو الوطء فإن الماء لا يحصل إلا بعد مطعم ومشرب ومن تفكر في المطعم نظر إلى حرث الأرض وأنها تفتقر إلى بقر للحراثة عليهن المحراث وهو حديد ومعه خشب ويتعلق به حبال‏.‏

فمن تفكر في عمل الحبال في زرع القنب وتسريحه وفتله والحديد وجلبه وضربه والخشب ونباته ونجارته ودوران الدولاب وعمله ثم استحصاد الزرع وحصده وتذريته وطحنه وعجنه وخبزه ومن عمل التنور وجلب الشوك‏.‏

ومن هذا الجنس إذ نظر فيه كثر جداً حتى قالوا لا تنال لقمة إلا وقد عمل فيها ثلاثمائة نفس أو نحوهم‏.‏

فإذا أكل تلك اللقمة فليفكر في خلق الأسنان لقطعها والأضراس لطحنها وعذوبة ماء الفم لخلطها واللسان ليقلبها وعضلات الفم يصعد منها شيء ويبقى شيء حتى يصلح البلع‏.‏

ثم يتناول المعي فيوصلها إلى الكبد فيقوم طابخاً لها فإذا صارت دماً نفت رسوبها إلى الطحال ومائيتها إلى المثانة واستخلصت من أخلص الدم وأصفاه للكبد والدماغ والقلب‏.‏

وأخذت أجود ذلك فحدرته إلى الأنثيين معداً لخلق آدمي‏.‏

فإذا تحركت نيران الشهوة تدفقت تلك النطقة وقد حكم الشرع بطهارتها وحكم لها بطهارة الرحم والمحل الذي يباشره الذكر فيخلق منها الآدمي الموحد‏.‏

فما جاء هذا الشخص إلا بأغلى الغلاء وبعد عجائب أشرنا إليها لا أنا عددناها أفمن فهم هذا يحسن منه أن يبدد تلك النطفة في حرام أو أن يطأ في محل نجس فتضيع‏.‏

فكم يتعلق بالزنا من لا يفي معشار عشرها بلذة لحظة منها هتك العرض بين الناس‏.‏

وكشف العورات المحرمة وخيانة الأخ المسلم في زوجته إن كانت متزوجة وفضيحة المزني بها وهي كأخت له أو بنت‏.‏

فإن علقت منه ولها زوج ألحقته بذلك الزوج وكان هذا الزاني سبباً في ميراث من لا يستحق ومنع من يستحق‏.‏

ثم يتسلسل ذلك من ولد إلى ولد‏.‏

وأما سخط الحق سبحانه فمعلوم قال تعالى‏:‏ ‏"‏ ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً ‏"‏‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله تعالى من نطفة وضعها رجل في رحم لا تحل له‏.‏

ومن له فهم يعلم أن المراد من النطفة إيجاد الموحدين‏.‏

ولولا تركيب الشهوة لم يقع الوطء لأنه التقاء عضوين غير مستحسنين ولا صورتهما حسنة ولا ريحهما طيب‏.‏

وإنما الشهوة تغطي عين الناظر ليحصل الولد أصلاً فهي عارض فمن طلب الشهوة ونسي جنايته بالزنا فما رأى الأشياء على ما هي‏.‏

وقس على هذا المطعم والمشرب وجمع المال وغير ذلك‏.‏

  فصل الحكمة في خلق ما يؤذي

إن قال قائل‏:‏ أي فائدة في خلق ما يؤذي فالجواب أنه قد ثبتت حكمة الخالق فإذا خفيت في بعض الأمور وجب التسليم‏.‏

ثم إن المستحسنات في الجملة أنموذج ما أعد من الثواب‏.‏

والمؤذيات أنموذج ما أعد من العقاب‏.‏

وما خلق شيء يضر إلا وفيه منفعة قيل لبعض الأطباء‏:‏ إن فلاناً يقول أنا كالعقرب أضر ولا أنفع‏.‏

فقال‏:‏ ما أقل علمه‏.‏

إنها لتنفع إذا شق بطنها ثم شد على موضع اللسعة‏.‏

وقد تجعل في جوف فخار مسدود الرأس مطبق الجوانب ثم يوضع الفخار في تنور فإذا صارت رماداً سقي من ذلك الرماد مقدار نصف دانق أو أكثر من به الحصاة فيفتها من غير أن يضر بشيء من سائر الأعضاء‏.‏

ولسع رجلاً مفلوجاً فزال عنه الفالج‏.‏

وقد تلقى في الدهن حتى يجتذب قواها فيزيل ذلك الدهن الأورام الغليظة ومثل هذا كثير‏.‏

فالجاهل عدو لما جهله وأكبر الحماقة رد الجاهل على العالم‏.‏

 فصل جلال العبادة وجمال العابدين

كلما أوغلت الفهوم في معرفة الخالق فشاهدت عظمته ولطفه ورفعته تاهت في محبته فخرجت عن حد الثبوت‏.‏

وقد كان خلق من الناس غلبت عليهم محبته فلم يقدروا على مخالطة الخلق‏.‏

ومنهم من لم يقدر على السكوت عن الذكر‏.‏

وفيهم من لم ينم إلا غلبة وفيهم من هام في البراري وفيهم من احترق في بدنه‏.‏

فيا حسن مخمورهم ما ألذ سكره ويا عيش قلقهم ما أحسن وجده‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏!‏‏!‏‏.‏

كان أبو عبيدة الخواص قد غلبه الوجد فكان يمشي في الأسواق يقول‏:‏ واشوقاه إلى من يراني ولا أراه‏.‏

وكان فتح بن سخرف يقول‏:‏ قد طال شوقي إليك فعجل قدومي عليك‏.‏

وكان ابن عقيل يقول‏:‏ التبذل فيه سبحانه أحسن من التجمل في غيره‏.‏

هل رأيت قط عراة أحسن من المحرمين‏.‏

هل رأيت للمتزينين برياش الدنيا سمتا كأثواب الصالحين‏.‏

هل رأيت خماراً أحسن من نعاس المتهجدين‏.‏

هل رأيت سكراً أحسن من صعق الواجدين‏.‏

هل شاهدت ماء صافياً أصفى من دموع المتأسفين‏.‏

هل رأيت رؤوساً مائلة كرؤوس المنكسرين‏.‏

هل لصق بالأرض شيء أحسن من جباه المصلين‏.‏

هل حرك نسيم الأسحار أوراق الأشجار فبلغ تحريكه أذيال المتهجدين‏.‏

هل ارتفعت أكف وانبسطت أيد فضاهت أكف الراغبين‏!‏‏.‏

هل حرك القلوب صوت ترجيع لحن أو رنة وتركهما حرك حنين المشتاقين‏.‏

وإنما يحسن التبذل في تحصيل أوفى الأغراض‏.‏

فلذلك حسن التبذل في خدمة المنعم‏.‏

أكثرهم لا يعرف الدين ولا يتأدب بآدابه‏.‏

بمرة يتفق له قلة العقل من أصل الوضع ثم ذلك القليل لا يعاون بل يعان عليه وذاك أن الجارحة إذا دام تعطلها عن عملها الذي هيئت له تعطلت وخمدت ولهذا تنقص أنصار النساخ والرفائين وتحتد أبصار أهل البوادي لأنه صاد لأبصارهم‏.‏

وشغل العقل التفكر والنظر في عواقب الأحوال والاستدلال بالشاهد على الغائب وهؤلاء يمتلؤون من الطعام دائماً وذلك يؤذي العقل‏.‏

ثم يطيلون النوم فإذا انتبهوا شربوا المسكر فاتفق للعقل تعطيل وتغطية‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

فساء التدبير‏.‏

 

فصل اعتبار القدرات في التوجيه

من المخاطرات تحديث العوام بما لا تحتمله قلوبهم أو بما قد رسخ في نفوسهم ضده‏.‏

مثاله أن قوماً قد رسخ في قلوبهم التشبيه وأن ذات الخالق سبحانه ملاصقة للعرش وهي بقدر العرش ويفضل من العرش قدر أربع أصابع‏.‏

وسمعوا مثل هذا من أشياخهم وثبت عندهم أنه إذا نزل وانتقل إلى السماء الدنيا خلت منه ست سموات‏.‏

فإذا دعى أحدهم إلى التنزيه وقيل له ليس كما خطر لك إنما ينبغي أن تمر الأحاديث كما أحدهما‏:‏ لغلبة الحس عليه والحس على العوام أغلب‏.‏

والثاني‏:‏ لما قد سمعه من ذلك من الأشياخ الذين كانوا أجهل منه‏.‏

فالمخاطب لهذا مخاطر بنفسه ولقد بلغني عن بعض من كان يتدين ممن قد رسخ في قلبه التشبيه أنه سمع من بعض العلماء شيئاً من التنزيه فقال‏:‏ والله لو قدرت عليه لقتلته‏.‏

فالله الله أن تحدث مخلوقاً من العوام بما لا يحتمله دون احتيال وتلطف فإنه لا يزول ما في نفسه ويخاطر المحدث له بنفسه‏.‏

فكذلك كل ما يتعلق بالأصول‏.‏

 

فصل ميزان الرجولة

لا يغرك من الرجل طنطنته وما تراه يفعل من صلاة وصوم وعزلة عن الخلق‏.‏

إنما الرجل هو الذي يراعي شيئين‏:‏ حفظ الحدود وإخلاص العمل‏.‏

فكم قد رأينا متعبداً يخرق الحدود بالغيبة وفعل ما لا يجوز مما يوافق هواه‏.‏

وكم قد اعتبرنا على صاحب دين أنه يقصد بفعله غير الله تعالى‏.‏

وهذه الآفة تزيد وتنقص في الخلق‏.‏

والذي يحسن القصد فيكون عمله وقوله خالصاً لله تعالى لا يريد به الخلق ولا تعظيمهم له‏.‏

فرب خاشع ليقال ناسك وصامت ليقال خائف وتارك للدنيا ليقال زاهد‏.‏

وعلامة المخلص أن يكون في جلوته كخلوته وربما تكلف بين الناس التبسم والانبساط لينمحي عنه اسم زاهد‏.‏

فقد كان ابن سيرين يضحك بالنهار فإذا جن الليل فكأنه قتل أهل القرية‏.‏

واعلم أن المعمول معه لا يريد الشركاء فالمخلص مفرد له بالقصد والمرائي قد أشرك ليحصل له مدح الناس‏.‏

وذلك ينقلب لأن قلوبهم بيد من أشرك معه فهو يقلبها عليه لا إليه‏.‏

فالموفق من كانت معاملته باطنة وأعماله خالصة‏.‏

وذاك الذي تحبه الناس وإن لم يبالهم كما يمقتون المرائي وإن زاد تعبده‏.‏

ثم إن الرجل الموصوف بهذه الخصال لا يتناهى عن كمال العلوم ولا يقصر عن طلب الفضائل‏.‏

فهو يملأ الزمان بأكثر ما يسعه من الخير وقلبه لا يفتر عن العمل القلبي‏.‏

أبى أن يصير شغله بالحق سبحانه وتعالى‏.‏

رأيت خلقاً يفرطون في أديانهم ثم يقولون احملونا إذا متنا إلى مقبرة أحمد‏.‏

أتراهم ما سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتنع من الصلاة على من عليه دين وعلى الغال وقال‏:‏ ما ينفعه صلاتي عليه‏.‏

ولقد رأيت أقواماً من العلماء حملهم حب الصيت على أن استخرجوا إذناً من السلطان فدفنوا في دكة أحمد بن حنبل وهم يعلمون أن هناك خلقاً رفات بعضهم على بعض‏.‏

وما فيهم إلا من يعلم أنه ما يستحق القرب من مثل ذلك‏.‏

فأين احتقار النفوس أما سمعوا أن عمر بن عبد العزيز قيل له‏:‏ تدفن في الحجرة فقال‏:‏ لأن ألقى الله بكل ذنب ما خلا الشرك أحب إلي من أن أرى نفسي أهلاً لذلك‏.‏

لكن العادات وحب الرياسة غلبت على هؤلاء فبقي العلم يجري على الألسن عادة لا للعمل به‏.‏

ثم آل الأمر إلى جماعة خالطوا السلاطين وباشروا الظلم يزاحمون على الدفن بمقبرة أحمد ويوصون بذلك‏.‏

فليتهم أوصوا بالدفن في موضع فارغ إنما يدفنون على موتى‏.‏

ويخرج عظام أولئك فيحشرون على ما ألقوا من الظلم حتى في موتهم وينسون أنهم كانوا من أترى ما علموا أن مساعد الظالم ظالم وفي الحديث‏:‏ كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة‏.‏

قال السجان لأحمد بن حنبل‏:‏ هل أنا من أعوان الظلمة فقال‏:‏ لا أنت من الظلمة إنما أعوان الظلمة من أعانك في أمر‏.‏

 

فصل حقيقة الحسد

رأيت الناس يذمون الحاسد ويبالغون ويقولون‏:‏ لا يحسد إلا شرير يعادي نعمة الله ولا يرضى بقضائه ويبخل على أخيه المسلم‏.‏

فرأيت في هذا فما رأيته كما يقولون وذاك أن الإنسان لا يحب أن يرتفع عليه أحد فإذا رأى صديقه قد علا عليه تأثر هو ولم يحب أن يرتفع عليه وود لو لم ينل صديقه ما ينال أو أن ينال هو ما نال ذاك لئلا يرتفع عليه وهذا معجون في الطين ولا لوم على ذلك‏.‏

إنما اللوم أن يعمل بمقتضاه من قول أو فعل وكنت أظن أن هذا قد وقع لي عن درسي وفحصي فرأيت الحديث عن الحسن البصري قد سبقني إليه‏.‏

قال‏:‏ أخبرنا عبد الخالق بن عبد الصمد قال‏:‏ أخبرنا ابن النقود قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ حدثنا البغوي قال‏:‏ حدثنا أبو روح قال‏:‏ حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام عن الحسن قال‏:‏ ليس من فمن لم يجاوز ذلك بقول ولا بفعل لم يتبعه شيء‏!‏‏!‏‏.‏

 

فصل الإسراف الجنسي

من أعظم الضرر الداخل على الإنسان كثرة النساء‏.‏

إنه أولاً يتشتت همه في محبتهن ومداراتهن وغيرتهن والإنفاق عليهن ولا يأمن إحداهن أن تكرهه وتريد غيره فلا تتخلص إلا بقتله‏.‏

ولو سلم من جميع ذلك لم يسلم في الكسب لهن فإن سلم لم ينج من السآمة لهن أو لبعضهن‏.‏

ثم يطلب ما لا يقدر عليه من غيرهن حتى أنه لو قدر على نساء بغداد كله فقدمت امرأة مستترة من غير البلد ظن أنه يجد عندها ما ليس عندهن‏.‏

ولعمري إن في الجدة لذة ولكن رب مستور إذا انكشف افتضح‏.‏

ولو أنه سلم من كل أذى يتعلق بهن أنهك بدنه في الجماع فيكون طلبه للالتذاذ مانعاً من دوام الالتذاذ‏.‏

ورب لقمة منعت لقمات ورب لذة كانت سبباً في انقطاع لذات‏.‏

والعاقل من يقتصر على الواحدة إذا وافقت غرضه ولا بد أن يكون فيها شيء لا يوافق إنما وينبغي أن يكون النظر إلى باب الدين قبل النظر إلى الحسن‏.‏

فإنه إذا قل الدين لم ينتفع ذو مروءة بتلك المرأة ومما يهلك الشيخ سريعاً الجماع فلا يغتر بما يرى من انبساط الآلة وحصول الشهوة‏.‏

وذلك مستخرج من قوته ما لا يعود مثله فلا ينبغي أن يغتر بحركة وشهوة ولا يقرب من النساء إن كان له رأي في البقاء‏.‏

 

فصل أعيت الحماقة من يداويها

إذا رأيت قليل العقل في أصل الوضع فلا ترج خيره‏.‏

فأما إن كان وافر العقل لكنه يغلب عليه الهوى فارجه‏.‏

وعلامة ذلك أنه يدبر أمره في جهله فيستتر من الناس إذا أتى فاحشة ويراقب في بعض الأحوال ويبكي عند الموعظة ويحترم أهل الدين فهذا عاقل مغلوب بالهوى‏.‏

فإذا انتبه بالندم انقبض شيطان الهوى وجاء ملك العقل‏.‏

فأما إذا كان قليل العقل في الوضع وعلامته أن لا ينظر في عاقبة عاجلة ولا آجلة ولا يستحي من الناس أن يروه على فاحشة ولا يدبر أمر دنياه فذاك بعيد الرجاء‏.‏

وقد يندر من هؤلاء من يفلح ويكون السبب فيه خميرة من العقل غطى عليها الهوى ثم تكشف قليلاً ليعود فمثلهم كمثل مصروع أفاق‏.‏

 

فصل الحيطة للمستقبل

ينبغي الاحتراز من كل ما يجوز أن يكون ولا ينبغي أن يقال‏:‏ الغالب السلامة‏.‏

وقد رأينا من نزل مع الخيل في سفينة فاضطربت فغرق من في السفينة وإن كان الغالب في هذه الحالة السلامة‏.‏

وكذا ينبغي أن يقدر الإنسان في نفقته وإن رأى الدنيا مقبلة لجواز أن تنقطع تلك الدنيا‏.‏

وحاجة النفس لا بد من قضائها فإذا بذر وقت السعة فجاء وقت الضيق لم يأمن أن يدخل في مداخل سوء وأن يتعرض بالطلب من الناس‏.‏

وكذلك ينبغي للمعافى أن يعد للمرض وللقوي أن يتهيأ للهرم‏.‏

وفي الجملة فالنظر في العواقب وفيما يجوز أن يقع شأن العقلاء‏.‏

فأما النظر في الحالة الراهنة فحسب فحالة الجهلة الحمقى مثل أن يرى نفسه معافى وينسى المرض أو غنياً وينسى الفقر أو يرى لذة عاجلة وينسى ما تجني عواقبها‏.‏

 

فصل القوة عند الابتلاء

يبين إيمان المؤمن عند الابتلاء فهو يبالغ في الدعاء ولا يرى أثراً للإجابة ولا يتغير أمله ورجاؤه ولو قويت أسباب اليأس لعلمه أن الحق أعلم بالمصالح‏.‏

أو لأن المراد منه الصبر أو الإيمان فإنه لم يحكم عليه بذلك إلا وهو يريد من القلب التسليم لينظر كيف صبره أو يريد كثرة اللجأ والدعاء‏.‏

فأما من يريد تعجيل الإجابة ويتذمر إن لم تتعجل فذاك ضعيف الإيمان‏.‏

يرى أن له حقاً في الإجابة وكأنه يتقاضى أجرة عمله‏.‏

أما سمعت قصة يعقوب عليه السلام‏:‏ بقي ثمانين سنة في البلاء ورجاؤه لا يتغير فلما ضم إلي فقد يوسف فقد بنيامين لم يتغير أمله وقال‏:‏ ‏"‏ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتيني بهمْ جَميعاً ‏"‏‏.‏

وقد كشف هذا المعنى قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ أَمْ حِسِبتُمْ أَنْ تَدْخُلوا الْجَنّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِيْنَ خَلَوْ مِنْ قَبْلَكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللُّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيب ‏"‏‏.‏

ومعلوم أن هذا لا يصدر من الرسول والمؤمنين إلا بعد طول البلاء وقرب اليأس من الفرج‏.‏

ومن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل قيل له‏:‏ وما يستعجل‏.‏

قال‏:‏ يقول‏:‏ دعوت فلم يستجب لي‏.‏

فإياك أن تستطيل زمان البلاء وتضجر من كثرة الدعاء فإنك مبتلى بالبلاء متعبد بالصبر والدعاء ولا تيأس من روح الله وإن طال البلاء‏.‏

 

فصل المتعة الزائفة

تذكرت في سبب دخول جهنم فإذا هو المعاصي‏.‏

فنظرت في المعاصي فإذا هي حاصلة من طلب اللذات‏.‏

فنظرت في اللذات فرأيتها خدعاً ليست بشيء وفي ضمنها من الأكدار ما يصيرها نغصاً فتخرج عن كونها لذات‏.‏

فكيف يتبع العاقل نفسه ويرضي بجهنم لأجل هذه الأكدار‏.‏

فمن اللذات الزنا فإن كان المراد إراقة الماء فقد يراق في حلال‏.‏

وإن كان في المعشوق فمراد النفس دوام البقاء مع المعشوق فإذا هي ملكته فالمملوك مملول‏.‏

وإن هو قاربه ساعة ثم فارقه فحسرة الفراق تربو على لذة القرب‏.‏

وإن كان ولد له من الزنا فالفضيحة الدائمة والعقوبة التامة وتنكيس الرأس عند الخالق والمخلوق‏.‏

وأما الجاهل فيرى لذته في بلوغ ذلك الغرض وينسى ما يجني مما يكدر عيش الدنيا والآخرة‏.‏

ومن ذلك شرب الخمر فإنه تنجيس للفم والثوب وإبعاد للعقل وتأثيراته معلومة عند الخالق والمخلوق‏.‏

فالعجب ممن يؤثر لذة ساعة تجني عقاباً وذهاب جاه وربما خرج بالعربدة إلى القتل‏.‏

وعلى هذا فقس جميع المذوقات فإن لذاتها إذا وزنت بميزان العقل لا تفي بمعشار عشير عواقبها القباح في الدنيا والآخرة‏.‏

ثم هي نفسها ليست بكثير شيء فكيف تباع الآخرة بمثل هذا‏.‏

سبحان من أنعم على أقوام كلما لاحت لهم لذة نصبوا ميزان العقل ونظروا فيما يجني وتلمحوا ما يؤثر تركها فرجحوا الأصلح‏.‏

وطمس على قلوب فهي ترى صورة الشيء وتنسى جناياته‏.‏

ثم العجب أنا نرى من يبعد عن زوجته وهو شاب ليعدو في الطريق فيقال ساعي‏.‏

فيغلب هواه لطلب ما هو أعلى وهو المدح‏.‏

كيف لا يترك محرماً ليمدح في الدنيا والأخرى ثم قدر حصول ما طلبت من اللذات وذهابها وأحسب أنها قد كانت وقد هانت وتخلصت من محنها أين أنت من غيرك أين تعب عالم قد درس العلم خمسين سنة‏.‏

ذهب التعب وحصل العلم وأين لذة البطال ذهبت الراحة وأعقبت الندم‏.‏

 

فصل نتائج الشهوات

من وقف على موجب الحس هلك‏.‏

ومن تبع العقل سلم لأن مجرد الحس لا يرى إلا الحاضر وهو الدنيا‏.‏

وأما العقل فإنه ينظر إلى المخلوقات فيعلم وجود الخالق ويعلم أنه قد منح وأباح وأطلق وحظر وأخبر أني سائلكم ومبتليكم ليظهر دليل وجودي عندكم بترك ما تشتهون طاعة لي‏.‏

وإني قد بنيت لكم داراً غير هذه لإثابة من يطيع وعقوبة من يخالف‏.‏

ثم لو ترك الحس وما يشتهي مع أغراضه قرب الأمر إنما يزني فيجلد ويشرب الخمر فيعاقب ويسرق فيقطع ويفعل ذلة فيفضح بين الخلق‏.‏

ويعرض عن العلم إلى البطالة فيقع الندم عند حصول الجهل‏.‏

ثم إنا نرى الكثير ممن عمل بمقتضى عقله قد سلمت دنياه وآخرته وميز بين الخلق بالتعظيم فليعتبر ذو الفهم بما قلت وليعمل بمقتضى الدليل وقد سلم‏.‏

 

فصل الإسراف الجنسي

العجب لمؤثر شهوات الدنيا ألا يتدبر أمرها بالعقل قبل أن يصير إلى منقولات الشرع‏.‏

إن أعطم لذات الحس الوطء فالمرأة المستحسنة إنما يكون حال كمالها من وقت بلوغها إلى الثلاثين فإذا بلغتها أثر فيها ما مضى من عمرها في الولادة وغيرها‏.‏

وربما ابيضت شعرات من رأسها فينفر الإنسان منها‏.‏

وقد يقع الملل قبل ذلك وطول الصحبة يكشف العيوب‏.‏

وما عيب نساء الدنيا بأبلغ من قوله‏:‏ ‏"‏ لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ‏"‏‏.‏

فلو تفكر الإنسان في جسد مملوء بالنجاسة ما طالب له ضمه غير أن الشهوة تغطي عين الفكر‏.‏

فالعاقل من حفظ دينه ومروءته بترك الحرام وحفظ قوته في الحلال فأنفقتها في طلب الفضائل من علم أو عمل‏.‏

ولم يسع في إفناء عمره وتشتيت قلبه في شيء لا تحسن عاقبته‏:‏ وعموم من رأينا من الكبار غلبت عليهم شهوة الوطء فانهدمت أعمارهم ورحلوا سريعاً‏.‏

وقد رأينا من العقلاء من زجر نفسه عن هذه المحنة ولم يستعملها إلا وقت الحاجة فبقي لهم سواد شعورهم وقوتهم حتى تمتعوا بها في الحياة وحصلوا المناقب وعرفت منهم النفوس قوة العزيمة فلم تطالبهم بما يؤذي‏.‏

 

فصل معنى رؤيا الرسول

قد أشكل على الناس رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وقوله‏:‏ من رآني في المنام فقد رآني‏.‏

فقال‏:‏ ظاهر الحديث أنه يراه حقيقة‏.‏

وفي الناس من يراه شيخاً وشاباً ومريضاً ومعافى‏.‏

فالجواب أنه من ظن أن جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم المودع في المدينة خرج من القبر وحضر في المكان الذي رآه فيه فهذا جهل لا جهل يشبهه‏.‏

فقد يراه في وقت واحد ألف شخص في ألف مكان على صور مختلفة‏.‏

فكيف يتصور هذا في شخص واحد وإنما الذي يرى مثاله لا شخصه‏.‏

فيبقى من رآني فقد رآني معناه قد رأى مثالي الذي يعرفه الصواب وتحصل به الفائدة المطلوبة‏.‏

فإن قيل‏:‏ فما تقولون في رؤية الحق سبحانه‏!‏ فنقول‏:‏ يرى مثالاً لا مثلاً والمثال لا يفتقر إلى المساواة والمشابهة كما قال تعالى‏:‏ ‏"‏ أَنزَلَ مِنَ السَّمآءِ ماءً فَسَالَتْ أَوْدِيَة بِقَدَرِها ‏"‏‏.‏

فضربه مثالاً للقرآن وانتفاع الخلق به‏.‏

ويوضح هذا أنه إنما يرى من رأى الحق سبحانه وتعالى على هيئة مخصوصة والحق سبحانه وتعالى منزه قد توحد فوضح ما قلناه‏.‏

 

فصل ارتباط الحديث بالفقه هذا فصل غزير

الفائدة‏:‏ اعلم أنه لو اتسع العمر لم أمنع من الإيغال في كل علم إلى منتهاه غير أن العمر قصير‏.‏

والعلم كثير‏.‏

فينبغي للإنسان أن يقتصر من القراءات إذا حفظ القرآن على العشر‏.‏

من الحديث على الصحاح‏.‏

والسنن والمسانيد المصنفة‏.‏

فإن علوم الحديث قد انبسطت زائدة في الحد‏.‏

والمتون محصورة وإنما الطرق تختلف‏.‏

وعلم الحديث يتعلق بعضه ببعض وهو مشتهى والفقهاء يسمونه علم الكسالى لأنهم يتشاغلون وقد كان المحدثون قديماً هم الفقهاء ثم صار الفقهاء لا يعرفون الحديث والمحدثون لا يعرفون الفقه‏.‏

فمن كان ذا همة ونصح نفسه تشاغل بالمهم من كل علم وجعل جل شغله الفقه فهو أعظم العلوم وأهمها‏.‏

وقد قال أبو زرعة‏:‏ كتب إلي أبو ثور‏:‏ فإن هذا الحديث قد رواه ثمانية وتسعون رجلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي صح منه طرق يسيرة‏.‏

فالتشاغل بغير ما صح يمنع التشاغل بما هو أهم‏.‏

ولو اتسع العمر كان استيفاء كل الطرق في كل الأحاديث غاية في الجودة ولكن العمر قصير‏.‏

ولما تشاغل بالطرق مثل يحيى بن معين فاته من الفقه كثير حتى أنه سئل عن الحائض أيجوز أن تغسل الموتى‏!‏ فلم يعلم حتى جاء أبو ثور فقال‏:‏ يجوز لأن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض‏.‏

فيحيى أعلم بالحديث منه ولكن لم يتشاغل بفهمه‏.‏

فأنا أنهى أهل الحديث أن تشغلهم كثرة الطرق‏.‏

ومن أقبح الأشياء أن تجري حادثة يسأل عنها شيخ قد كتب الحديث ستين سنة فلا يعرف وكذلك أنهى من يتشاغل بالتزهد والانقطاع عن الناس أن يعرض عن العلم‏.‏

بل ينبغي أن يجعل لنفسه منه حظاً ليعلم إن زل كيف يتخلص‏.‏

 

فصل حاجة الدين إلى سلامة الجسم وصحة الدنيا

معرفة الله سبحانه لا تحصل إلا لكامل العقل صحيح المزاج والترقي إلى محبته بذلك يكون‏.‏

وإن أقواماً قلت عقولهم وفسدت أمزجتهم فساءت مطاعمهم وقلت فتخايلت لهم الخيالات الفاسدة فادعوا معرفة الحق ومحبته ولم يكن عندهم من العلم ما يصدهم عما ادعوا فهلكوا وعلى المؤمن أن يرعى حق بدنه وليتخير له الأغذية‏.‏

وليعلم أن في المأكولات ما يسبب إفساد العقل وفيها ما يزيد في السوداء فيوجب الماليخوليا فترى صاحبها يحب الخلوة ويهرب من الناس وقد يقلل المطعم فيقوى مرضه فيتخايل خيالات يظنها حقاً‏.‏

فمنهم من يقول‏:‏ إني رأيت الملائكة وفيهم من يخرجه الأمر إلى دعوى محبة الحق والوله فيه ولا يكون ذلك عن أصل معتمد عليه‏.‏

وإنما العاقل العالم اليسير في الطريق بين الرفيقين‏:‏ العلم والعقل‏.‏

فإن تقلل من الطعام فبعقل وحد التقلل ترك فضول المطعم وما يخاف شره من شبهة أو شهوة يحذر تعودها‏.‏

وأما زيادة التقلل مع القدرة فليس لعقل ولا شرع‏.‏

إلا أن يكون الفقر عم فيتقلل ضرورة‏.‏

ومن تأمل حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وجدهم يأخذون بمقدار ولا يتركون حظوظ النفس التي تصلحها‏.‏

وما أحسن الأمر وأعدله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ثلث طعام وثلث شراب وثلث نفس‏.‏

وقد قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو مريض‏:‏ أصب من هذا الطعام فهو أوفق لك من هذا‏.‏

وكان صلى الله عليه وسلم يشاور الأطباء ويحتجم ويحث على التداوي ويقول‏:‏ ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء فتداووا‏.‏

فجاء أقوام جهلوا العلم والحكمة في بنيان الأبدان‏.‏

فمنهم من أقام في الجبال يأكل البلوط فأصابه القولنج ومنهم من قلل المطعم إلى أن ضعفت قواهم ومنهم من اقتصر على نبات الصحراء ومنهم من كان لا يقوت إلا الباقلاء والشعير‏.‏

واتفق لهم قلة العلم إذ لو علموا لفهموا أن الحكمة تنهى عن مثل هذا فإن البدن مبني على أخلاث إذا اعتدلت وقعت السلامة وإذا زاد بعضها وقع المرض‏.‏

وأكثر هؤلاء مرضوا وتعجل لهم الموت وفيهم من خرج إلى التسودن وفيهم من لاحت له لوائح فادعى رؤية الملائكة إلى غير ذلك‏.‏

فأما أهل العلم والعقل فهربهم من الخلق لخوف المعاصي ورؤية المنكر‏.‏

وفيهم من قويت معرفته فشغلته معرفة الحق ومحبته عن ملاقاة الخلق‏.‏

فهذه هي الخلوات الصافية لأنها تصدر عن علم وعقل فتحفظ البدن لأنه ناقة توصل‏.‏

ولا ينبغي أن يتهاون بالمأكولات خصوصاً من لم يعتده التقشف ولا يلبس الصوف على البدن من لم يعتد‏.‏

ولينظر في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته فإنهم القدوة‏.‏

ولا يلتفت إلى بنيات الطريق فيقال‏:‏ فلان الزاهد قد أكل الطين وفلان كان يمشي حافياً وفلان بقي شهراً ما أكل‏.‏

فإن المحققين من هؤلاء المخلصين لله تعالى على غير الجادة لأن الجادة اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وما كانوا يفعلون‏.‏

هذا ولعمري أنه قد كان فيهم من يقنع بالمذقة من اللبن ويصبر الأيام عن الطعام‏.‏

ولكن إما لضرورة أو لأنه معتاد لذلك كما يعتاد البدوي شرب اللبن وحده ولا يؤذيه ذلك‏.‏

وفي الحديث‏:‏ عودوا كل بدن ما اعتاد وفي المتزهدين من أخرج ماله كله عن يده زهداً ومعلوم أن الحاجات لا تنقضي فلما احتاج تعرض للطلب وافتقر إلى أخذ مال من يد من يعلم أنه ظالم وبذل وجهه‏.‏

وقد كانت الصحابة تتجر وتحفظ المال وجهال المتزهدين يرون جمع المال ينافي الزهد‏.‏

فممخضة هذا الفصل أن أقول‏:‏ ينبغي لمن رزق فهماً أن يسعى في صلاح بدنه ولا يحمل عليه ما يؤذيه ولا يناوله من القوت ما لا يوافقه ولا يضيع ماله وليجتهد في استثماره لئلا يحتاج فإنه ما نافق زاهد إلا لأهل الدنيا‏.‏

ولينظر في سير الكاملين من السلف‏.‏

وليتشاغل بالعلم فإنه الدليل‏.‏

فحينئذ يحمله الأمر على الخلوة بربه والاشتغال بحبه فيكون ما ظهر منه ثمرة نضجه لا فجة والله الموفق‏.‏

 

فصل القدرة على الحياة

ما رأيت أظرف من لعب الدنيا بالعقول وقد سمعنا ورأينا جماعة من الفطناء الكاملي العقل لعبت بهم الدنيا حتى صاروا كالمجانين‏.‏

فولوا الولايات فخرجوا إلى القتل والضرب والحبس والشتم وذهاب الدين والمباشرة للظلم وذلك كله لأجل دنيا تذهب سريعاً‏.‏

وفي مدة إقامتها هي معجونة بالنغص‏.‏

فيا أيها المرزوق عقلاً لا تبخسه حقه ولا تطفيء نوره واسمع ما نشير به ولا تلتفت إلى بكاء طفل الطبع لفوات غرضه‏.‏

فإنك إن رحمت بكاءه لم تقدر على فطامه ولم يمكنك تأديبه فيبلغ جاهلاً فقيراً‏:‏ لا تسه عن أدب الصغي - ر ولو شكا ألم التعب ودع الكبير لشأنه كبر الكبير عن الأدب وعلم أن زمان الابتلاء ضيف قراه الصبر كما قال أحمد بن حنبل‏:‏ إنما هو طعام دون طعام ولباس دون لباس وإنها أيام قلائل فلا تنظر إلى لذة المترفين وتلمح عواقبهم ولا تضق صدراً بضيق المعاش وعلل الناقة بالحدو تسير‏:‏ طاول بها الليل مال النجم أم جنحا وما طل النوم ضن الجفن أم سمحا فإن تشكت فعللها المجرة من ضوء الصباح وعدها بالرواح ضحى وقد كان أهدي إلى أحمد بن حنبل هدية فردها ثم قال بعد سنة لأولاده‏:‏ لو كنا قبلناها ومر بشر على بئر فقال له صاحبه‏:‏ أنا عطشان فقال البئر الأخرى فمر عليها فقال له الأخرى ثم قال‏:‏ كذا تقطع الدنيا‏.‏

ودخلوا إلى بشر الحافي وليس في داره حصير فقيل له ألا بذا تؤذي فقال هذا أمر ينقضي‏.‏

وكان لداود الطائي دار يأوي إليها فوقع سقف فانتقل إلى سقف إلى أن مات في الدهليز‏.‏

فهؤلاء الذين نظروا في عواقب الأمور وبعد هذا فلا أطالبك بهذه الرتبة بل أقول لك‏:‏ إن حصل لك شيء من المباح لا من فيه ولا أذى ولا نلته بسؤال ولا من يد ظالم تعلم أن ماله حرام أو فيه شبهة فافسح لنفسك في مباحاتها بمقدار ما تحتاج إليه وكن مقدراً للنفقة غير مبذر‏.‏

فإن الحلال لا يحتمل السرف ومتى أسرفت احتجت إلى التعرض للخلق والتناول من الأكدار‏.‏

وإن ضاق بك أمر فاصبر فإن ضعف الصبر فسل فاتح الأبواب‏.‏

فهو الكريم وعنده مفاتح الغيب‏.‏

وإياك أن تبذل دينك بتصنع للخلق أو بتقرب إلى الأمراء تستعطي أموالهم‏.‏

واذكر طريق السلف كان ابن سمعون له ثياب يجلس فيها للناس ثم يطويها إلى المجلس الآخر ورثها عن أبيه بقيت أربعين سنة‏.‏

وكانت ميمونة بنت شاقولة تعظ الناس ولها ثياب قد بقيت أربعين سنة‏.‏

والحالة العالية في هذا إقبال القلب على الله عز وجل والتوكل عليه والنظر إليه والتفات القلب عن الخلق‏.‏

فإن احتجت فاسأله وإن ضعفت فارغب إليه‏.‏

ومتى ساكنت الأسباب انقطعت عنه ومتى استقام باطنك استقامت لك الأمور‏.‏

 

فصل أين الأصدقاء

رأيت نفسي تأنس بخلطاء نسميهم أصدقاء فبحثت بالتجارب عنهم فإذا أكثرهم حساد على النعم‏.‏

وأعداء لا يسترون زلة ولا يعرفون لجليس حقاً ولا يواسون من ما لهم صديقاً‏.‏

فتأملت الأمر فإذا الحق سبحانه يغار على قلب المؤمن أن يجعل له شيئاً يأنس به فهو يكدر عليه الدنيا وأهلها ليكون أنسه به‏.‏

فينبغي أن يعد الخلق كلهم معارف ليس فيهم صديق بل تحسبهم أعداء‏.‏

ولا تظهر سرك لمخلوق منهم ولا تعدن من يصلح لشدة لا ولداً ولا أخاً ولا صديقاً‏.‏

بل عاملهم بالظاهر ولا تخالطهم إلا حالة الضرورة بالتوقي لحظة‏.‏

ثم انفر عنهم وأقبل على شأنك متوكلاً على خالقك‏.‏

فليكن جليسك وأنيسك وموضع توكلك وشكواك‏.‏

فإن ضعف بصرك فاستغث به وإن قل يقينك فسله القوة‏.‏

وإياك أن تميل إلى غيره فإنه غيور وإن تشكو من أقداره فربما غضب ولم يعتب‏.‏

أوحى الله عز وجل إلى يوسف عليه السلام‏:‏ من خلصك من الجب من فعل من فعل قال‏:‏ أنت‏.‏

قال‏:‏ فلم ذكرت غيري فلا أطيلن حبسك أو كما قال‏.‏

هذا وإنما تعرض يوسف عليه السلام بسبب مباح‏:‏ ‏"‏ اذكرني عند ربك ‏"‏ ‏"‏ ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ‏"‏‏.‏

وما أعرف العيش إلا لمن يعرفه - جل شأنه - ويعيش معه ويتأدب بين يديه في حركاته وكلماته كأنه يراه‏.‏

ويقف على باب طرفه حارساً من نظرة لا تصلح وعلى باب لسانه حافظاً له من كلمة لا تحسن وعلى باب قلبه حماية لمسكنه من دخول الأغيار‏.‏

ويستوحش من الخلق شغلاً به وهذا يكون على سيرة الروحانيين‏.‏

فأما المخلط فالكدر غالب عليه والمحق لا يطلب إلا الأرفع قال القائل‏:‏ فصل علماء السوء رأيت أكثر العلماء مشتغلين بصورة العلم دون فهم حقيقته ومقصوده‏.‏

فالقارىء مشغول بالروايات عاكف على الشواذ يرى أن المقصود نفس التلاوة ولا يتلمح عظمة المتكلم ولا زجر القرآن ووعده‏.‏

وربما ظن أن حفظ القرآن يدفع عنه فتراه يترخص في الذنوب ولو فهم لعلم أن الحجة عليه أقوى ممن لم يقرأ‏.‏

والمحدث يجمع الطرق ويحفظ الأسانيد ولا يتأمل مقصود المنقول ويرى أنه قد حفظ على الناس الأحاديث فهو يرجو بذلك السلامة‏.‏

وربما ترخص في الخطايا ظناً منه أن ما فعل في خدمة الشريعة يدفع عنه‏.‏

والفقيه قد وقع له أنه بما قد عرف من الجدال الذي يقوي به خصامه أو المسائل أو المسائل التي قد عرف فيها المذهب قد حصل بما يفتي به الناس ما يرفع قدره ويمحو ذنبه‏.‏

فربما هجم على الخطايا ظناً منه أن ذلك يدفع عنه‏.‏

وربما لم يحفظ القرآن ولم يعرف الحديث وأنهما ينهيان عن الفواحش بزجر ورفق‏.‏

وعلى هذا أكثر الناس صور العلم عندهم صناعة فهي تكسبهم الكبر والحماقة‏.‏

وقد حكى بعض المعتبرين عن شيخ أفنى عمره في علوم كثيرة أنه فتن في آخر عمره بفسق أصر عليه وبارز الله به‏.‏

وكانت حاله تعطي بمضمونها أن علمي يدفع عني شر ما أنا فيه ولا يبقى له أثر‏.‏

وكان كأنه قد قطع لنفسه بالنجاة فلا يرى عنده أثر لخوف ولا ندم على ذنب‏.‏

قال فتغير في آخر عمره ولازمه الفقر فكان يلقى الشدائد ولا ينتهي عن قبح حاله‏.‏

إلى أن جمعت له يوماً قراريط على وجه الكدية فاستحى من ذلك وقال‏:‏ يا رب إلى هذا الحد‏.‏

قال الحاكي‏:‏ فتعجبت من غفلته كيف نسي الله عز وجل وأراد منه حسن التدبير له والصيانة وسعة الرزق وكأنه ما سمع قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً ‏"‏‏.‏

ولا علم أن المعاصي تسد أبواب الرزق وأن من ضيع أمر الله ضيعه الله‏.‏

فما رأيت علماً ما أفاد كعلم هذا لأن العالم إذا زل انكسر وهذا مصر لا تؤلمه معصيته‏.‏

وكأنه يجوز له ما يفعل أو كأن له التصرف في الدين تحليلاً وتحريماً‏.‏

فمرض عاجلاً ومات على أقبح حال‏.‏

كان أي فسق أمكنه لم يتحاش منه وأي أمر لم يعجبه من القدر عارضه بالاعتراض على المقدر واللوم‏.‏

فعاش أكدر عيش وعلى أقبح اعتقاد حتى درج‏.‏

وهؤلاء لم يفهموا معنى العلم وليس العلم صور الألفاظ إنما المقصود فهم المراد منه وذاك يورث الخشية والخوف ويرى المنة للمنعم بالعلم وقوة الحجة له على المتعلم‏.‏

نسأل الله عز وجل يقظة تفهمنا المقصود وتعرفنا المعبود‏.‏

ونعوذ بالله من سبيل رعاع يتسمون بالعلماء لا ينهاهم ما يحملون ويعلمون ولا يعملون ويتكبرون على الناس بما لا يعملون‏.‏

ويأخذون عرض الأدنى وقد نهوا عما يأخذون‏.‏

غلبتهم طباعهم وما راضتهم علومهم التي يدرسون‏.‏

فهم أخس حالاً من العوام الذين يجهلون ‏"‏ يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ‏"‏‏.‏